كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



إذن لماذا يتركهم الله يذهبون ناجين وينتفشون غالبين وهم أعداؤه المباشرون؟
لأنه يدبر لهم ما هو أنكى وأخزى!
{يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة}..
يريد لهم أن يستنفدوا رصيدهم كله؛ وأن يحملوا وزرهم كله وأن يستحقوا عذابهم كله وأن يمضوا مسارعين في الكفر إلى نهاية الطريق!
{ولهم عذاب عظيم}.
ولماذا يريد الله بهم هذه النهاية الفظيعة؟ لأنهم استحقوها بشرائهم الكفر بالإيمان.
{إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئاً ولهم عذاب أليم}..
ولقد كان الإيمان في متناول أيديهم. دلائله مبثوثة في صفحات الكون وفي أعماق الفطرة. وأماراته قائمة في تصميم هذا الوجود العجيب وفي تناسقه وتكامله الغريب، وقائمة كذلك في تصميم الفطرة المباشرة، وتجاوبها مع هذا الوجود، وشعورها باليد الصانعة، وبطابع الصنعة البارعة.. ثم إن الدعوة إلى الإيمان- بعد هذا كله- قائمة على لسان الرسل، وقائمة في طبيعة الدعوة وما فيها من تلبية الفطرة ومن جمال التناسق ومن صلاحية للحياة والناس..
أجل كان الإيمان مبذولاً لهم فباعوه واشتروا به الكفر على علم وعن بينة ومن هنا استحقوا أن يتركهم الله يسارعون في الكفر ليستنفدوا رصيدهم كله ولا يستبقوا لهم حظاً من ثواب الآخرة. ومن هنا كذلك كانوا أضعف من أن يضروا الله شيئاً. فهم في ضلالة كاملة ليس معهم من الحق شيء. ولم ينزل الله بالضلالة سلطاناً؛ ولم يجعل في الباطل قوة. فهم أضعف من أن يضروا أولياء الله ودعوته بهذه القوة الضئيلة الهزيلة مهما انتفشت ومهما أوقعت بالمؤمنين من أذى وقتي إلى حين!
{ولهم عذاب أليم}..
أشد إيلاماً- بما لا يقاس- مما يملكون إيقاعه بالمؤمنين من آلام!
{ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين}..
وفي هذه الآية يصل السياق إلى العقدة التي تحيك في بعض الصدور والشبهة التي تجول في بعض القلوب والعتاب الذي تجيش به بعض الأرواح، وهي ترى أعداء الله وأعداء الحق متروكين لا يأخذهم العذاب ممتعين في ظاهر الأمر بالقوة والسلطة والمال والجاه! مما يوقع الفتنة في قلوبهم وفي قلوب الناس من حولهم؛ ومما يجعل ضعاف الإيمان يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية؛ يحسبون أن الله- حاشاه- يرضى عن الباطل والشر والجحود والطغيان فيملي له ويرخي له العنان! أو يحسبون أن الله- سبحانه- لا يتدخل في المعركة بين الحق والباطل فيدع للباطل أن يحطم الحق ولا يتدخل لنصرته! أو يحسبون أن هذا الباطل حق وإلا فلم تركه الله ينمو ويكبر ويغلب؟! أو يحسبون أن من شأن الباطل أن يغلب على الحق في هذه الأرض وأن ليس من شأن الحق أن ينتصر! ثم.. يدع المبطلين الظلمة الطغاة المفسدين يلجون في عتوهم ويسارعون في كفرهم ويلجون في طغيانهم ويظنون أن الأمر قد استقام لهم وأن ليس هنالك من قوة تقوى على الوقوف في وجههم!!!
وهذا كله وهم باطل وظن بالله غير الحق والأمر ليس كذلك. وها هو ذا الله سبحانه وتعالى يحذر الذين كفروا أن يظنوا هذا الظن.
إنه إذا كان الله لا يأخذهم بكفرهم الذي يسارعون فيه وإذا كان يعطيهم حظاً في الدنيا يستمتعون به ويلهون فيه.. إذا كان الله يأخذهم بهذا الابتلاء فإنما هي الفتنة؛ وإنما هو الكيد المتين وإنما هو الاستدراج البعيد:
{ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً}!
ولو كانوا يستحقون أن يخرجهم الله من غمرة النعمة بالابتلاء الموقظ لابتلاهم.. ولكنه لا يريد بهم خيراً وقد اشتروا الكفر بالإيمان وسارعوا في الكفر واجتهدوا فيه! فلم يعودوا يستحقون أن يوقظهم الله من هذه الغمرة- غمرة النعمة والسلطان- بالابتلاء!
{ولهم عذاب مهين}..
والإهانة هي المقابل لما هم فيه من مقام ومكانة ونعماء.
وهكذا يتكشف أن الابتلاء من الله نعمة لا تصيب إلا من يريد له الله به الخير. فإذا أصابت أولياءه فإنما تصيبهم لخير يريده الله لهم- ولو وقع الابتلاء مترتباً على تصرفات هؤلاء الأولياء- فهناك الحكمة المغيبة والتدبير اللطيف، وفضل الله على أوليائه المؤمنين.
وهكذا تستقر القلوب وتطمئن النفوس وتستقر الحقائق الأصيلة البسيطة في التصور الإسلامي الواضح المستقيم.
ولقد شاءت حكمة الله وبره بالمؤمنين أن يميزهم من المنافقين الذين اندسوا في الصفوف تحت تأثير ملابسات شتى ليست من حب الإسلام في شيء. فابتلاهم الله هذا الابتلاء- في أحد بسبب من تصرفاتهم وتصوراتهم ليميز الخبيث من الطيب عن هذا الطريق:
{ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم}..
ويقطع النص القرآني بأنه ليس من شأن الله- سبحانه- وليس من مقتضى ألوهيته وليس من فعل سنته أن يدع الصف المسلم مختلطاً غير مميز؛ يتوارى المنافقون فيه وراء دعوى الإيمان ومظهر الإسلام بينما قلوبهم خاوية من بشاشة الإيمان ومن روح الإسلام. فقد أخرج الله الأمة المسلمة لتؤدي دوراً كونياً كبيراً ولتحمل منهجاً إلهياً عظيماً ولتنشئ في الأرض واقعاً فريداً ونظاماً جديداً.. وهذا الدور الكبير يقتضي التجرد والصفاء والتميز والتماسك ويقتضي ألا يكون في الصف خلل ولا في بنائه دخل.. وبتعبير مختصر يقتضي أن تكون طبيعة هذه الأمة من العظمة بحيث تسامي عظمة الدور الذي قدره الله لها في هذه الأرض؛ وتسامي المكانة التي أعدها الله لها في الآخرة..
وكل هذا يقتضي أن يصهر الصف ليخرج منه الخبث. وأن يضغط لتتهاوى اللبنات الضعيفة. وأن تسلط عليه الأضواء لتتكشف الدخائل والضمائر.. ومن ثم كان شأن الله- سبحانه- أن يميز الخبيث من الطيب ولم يكن شأنه أن يذر المؤمنين على ما كانوا عليه قبل هذه الرجة العظيمة!
كذلك ما كان من شأن الله- سبحانه- أن يطلع البشر على الغيب الذي استأثر به فهم ليسوا مهيئين بطبيعتهم التي فطرهم عليها للاطلاع على الغيب وجهازهم البشري الذي أعطاه الله لهم ليس مصمماً على أساس استقبال هذا الغيب إلا بمقدار.
وهو مصمم هكذا بحكمة. مصمم لأداء وظيفة الخلافة في الأرض. وهي لا تحتاج للاطلاع على الغيب. ولو فتح الجهاز الإنساني على الغيب لتحطم. لأنه ليس معداً لاستقباله إلا بالمقدار الذي يصل روحه بخالقه ويصل كيانه بكيان هذا الكون. وأبسط ما يقع له حين يعلم مصائره كلها ألا يحرك يداً ولا رجلاً في عمارة الأرض أو أن يظل قلقاً مشغولاً بهذه المصائر بحيث لا تبقى فيه بقية لعمارة الأرض!
من أجل ذلك لم يكن من شأن الله سبحانه ولا من مقتضى حكمته ولا من مجرى سنته أن يطلع الناس على الغيب.
إذن كيف يميز الله الخبيث من الطيب؟ وكيف يحقق شأنه وسنته في تطهير الصف المسلم وتجريده من الغبش وتمحيصه من النفاق وإعداده للدور الكوني العظيم الذي أخرج الأمة المسلمة لتنهض به؟
{ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء}..
وعن طريق الرسالة وعن طريق الإيمان بها أو الكفر وعن طريق جهاد الرسل في تحقيق مقتضى الرسالة وعن طريق الابتلاء لأصحابهم في طريق الجهاد.. عن طريق هذا كله يتم شأن الله وتتحقق سنته ويميز الله الخبيث من الطيب ويمحص القلوب ويطهر النفوس.. ويكون من قدر الله ما يكون..
وهكذا يرفع الستار عن جانب من حكمة الله وهي تتحقق في الحياة؛ وهكذا تستقر هذه الحقيقة على أرض صلبة مكشوفة منيرة..
وأمام مشهد الحقيقة متجلية بسيطة مريحة يتجه إلى الذين آمنوا ليحققوا في ذواتهم مدلول الإيمان ومقتضاه ويلوح لهم بفضل الله العظيم الذي ينتظر المؤمنين.
{فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم}..
فيكون هذا التوجيه وهذا الترغيب بعد ذلك البيان وذلك الاطمئنان خير خاتمة لاستعراض الأحداث في أحد والتعقيب على هذه الأحداث..
وبعد.. فقد تمخضت المعركة والتعقيب القرآني عليها عن حقائق ضخمة منوعة يصعب إحصاؤها ثم إيفاؤها حقها من البسط والعرض في هذا السياق من الظلال. فنكتفي بالإشارة إلى أشملها وأبرزها ليقاس عليه سائر ما في الغزوة كما عرضها القرآن الكريم من مواضع للعبرة والاستدلال:
1- لقد تمخضت المعركة والتعقيب عليها عن حقيقة أساسية كبيرة في طبيعة هذا الدين الذي هو المنهج الإلهي للحياة البشرية وفي طريقته في العمل في حياة البشر. وهي حقيقة أولية بسيطة ولكنها كثيراً ما تنسى أو لا تدرك ابتداء فينشأ عن نسيانها أو عدم إدراكها خطأ جسيم في النظر إلى هذا الدين: في حقيقته وفي واقعه التاريخي في حياة الإنسانية وفي دوره أمس واليوم وغداً.
إن بعضنا ينتظر من هذا الدين- ما دام هو المنهج الإلهي للحياة البشرية- أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة! دون اعتبار لطبيعة البشر ولطاقتهم الفطرية ولواقعهم المادي في أية مرحلة من مراحل نموهم وفي أية بيئة من بيئاتهم!
وحين يرون أنه لا يعمل بهذه الطريقة وإنما هو يعمل في حدود الطاقة البشرية وحدود الواقع المادي للبشر. وأن هذه الطاقة وهذا الواقع يتفاعلان معه فيتأثران به في فترات تأثراً واضحاً أو يؤثران في مدى استجابة الناس له وقد يكون تأثيرهما مضاداً في فترات أخرى فتقعد بالناس ثقلة الطين وجاذبية المطامع والشهوات دون تلبية هتاف الدين أو الاتجاه معه في طريقه اتجاهاً كاملاً.. حين يرون هذه الظواهر فإنهم يصابون بخيبة أمل لم يكونوا يتوقعونها!- ما دام هذا الدين من عند الله- أو يصابون بخلخلة في ثقتهم بجدية المنهج الديني للحياة وواقعيته! أو يصابون بالشك في الدين إطلاقاً!
وهذه السلسلة من الأخطاء تنشأ كلها من خطأ واحد هو عدم إدراك طبيعة هذا الدين وطريقته أو نسيان هذه الحقيقة الأولية البسيطة.
إن هذا الدين منهج للحياة البشرية يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد بشري في حدود الطاقة البشرية ويبدأ في العمل من النقطة التي يكون البشر عندها بالفعل من واقعهم المادي ويسير بهم إلى نهاية الطريق في حدود جهدهم البشري وطاقتهم البشرية ويبلغ بهم أقصى ما تمكنهم طاقتهم وجهدهم من بلوغه.
وميزته الأساسية أنه لا يغفل لحظة في أية خطة وفي أية خطوة عن طبيعة فطرة الإنسان وحدود طاقته وواقعه المادي أيضاً. وأنه في الوقت ذاته يبلغ به- كما تحقق ذلك فعلاً في بعض الفترات وكما يمكن أن يتحقق دائماً كلما بذلت محاولة جادة- ما لم يبلغه وما لا يبلغه أي منهج آخر من صنع البشر على الإطلاق.
ولكن الخطأ كله- كما تقدم- ينشأ من عدم الإدراك لطبيعة هذا الدين أو نسيانها؛ ومن انتظار الخوارق التي لا ترتكن على الواقع البشري؛ والتي تبذل فطرة الإنسان وتنشئه نشأة أخرى لا علاقة لها بفطرته وميوله واستعداده وطاقاته وواقعه المادي كله!
أليس هو من عند الله؟ أليس ديناً من عند القوة القادرة التي لا يعجزها شيء؟ فلماذا إذن يعمل فقط في حدود الطاقة البشرية؟ ولماذا يحتاج إلى الجهد البشري ليعمل؟ ثم لماذا لا ينتصر دائماً؟ ولا ينتصر أصحابه دائماً؟ لماذا تغلب عليه ثقلة الطبع والشهوات والواقع المادي أحياناً؟ ولماذا يغلب أهل الباطل على أصحابه وهم أهل الحق أحياناً؟
وكلها- كما نرى- أسئلة وشبهات تنبع من عدم إدراك الحقيقة الأولية البسيطة لطبيعة هذا الدين وطريقته أو نسيانها!
إن الله قادر- طبعاً- على تبديل فطرة الإنسان- عن طريق هذا الدين أو من غير طريقه- وكان قادراً على أن يخلقه منذ البدء بفطرة أخرى.
ولكنه شاء أن يخلق الإنسان بهذه الفطرة. وشاء أن يجعل لهذا الإنسان إرادة واستجابة. وشاء أن يجعل الهدى ثمرة للجهد والتلقي والاستجابة. وشاء أن تعمل فطرة الإنسان دائماً ولا تمحى ولا تبدل ولا تعطل. وشاء أن يتم تحقيق منهجه للحياة في حياة البشر عن طريق الجهد البشري وفي حدود الطاقة البشرية. وشاء أن يبلغ الإنسان من هذا كله بقدر ما يبذل من الجهد في حدود ملابسات حياته الواقعة.
وليس لأحد من خلقه أن يسأله: لماذا شاء هذا؟ ما دام أن أحداً من خلقه ليس إلهاً! وليس لديه العلم ولا إمكان العلم بالنظام الكلي للكون وبمقتضيات هذا النظام في طبيعة كل كائن في هذا الوجود وبالحكمة المغيبة وراء خلق كل كائن بهذا التصميم الخاص!
ولماذا؟- في هذا المقام- سؤال لا يسأله مؤمن جاد ولا يسأله كذلك ملحد جاد.. المؤمن لا يسأله لأنه أكثر أدباً مع الله- الذي يعرفه قلبه بحقيقته وصفاته- وأكثر معرفة بأن الإدراك البشري لم يهيأ للعمل في هذا المجال.. والكافر لا يسأله لأنه لا يعترف بالله ابتداء. فإن اعترف بألوهيته عرف معها أن هذا شأنه- سبحانه- ومقتضى ألوهيته!
ولكنه سؤال قد يسأله هازل مائع. لا هو مؤمن جاد ولا هو ملحد جاد.. ومن ثم لا ينبغي الاحتفال به ولا الجد في أخذه!
وقد يسأله جاهل بحقيقة الألوهية.. فالسبيل لإجابة هذا الجاهل ليس هو الجواب المباشر. إنما هو تعريفه بحقيقة الألوهية- حتى يعرفها فهو مؤمن أو ينكرها فهو ملحد.. وبهذا ينتهي الجدل إلا أن يكون مراء!
ليس لأحد من خلق الله إذن أن يسأله- سبحانه- لماذا شاء أن يخلق الكائن الإنساني بهذه الفطرة؟ ولماذا شاء أن تبقى فطرته هذه عاملة لا تمحى ولا تعدل ولا تعطل! ولماذا شاء أن يجعل المنهج الإلهي يتحقق في حياته عن طريق الجهد البشري وفي حدود الطاقة البشرية؟
ولكن لكل أحد من خلقه أن يدرك هذه الحقيقة؛ ويراها وهي تعمل في واقع البشرية ويفسر التاريخ البشري على ضوئها؛ فيفقه خط سير التاريخ من ناحية ويعرف كيف يوجه هذا الخط من ناحية أخرى.
هذا المنهج الإلهي الذي يمثله الإسلام- كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يتحقق في الأرض في دنيا الناس بمجرد تنزله من عند الله. ولا يتحقق بمجرد إبلاغه للناس وبيانه. ولا يتحقق بالقهر الإلهي على نحو ما يُمضي الله ناموسه في دورة الفلك وسير الكواكب وترتب النتائج على أسبابها الطبيعية.
إنما يتحقق بأن تحمله مجموعة من البشر تؤمن به إيماناً كاملاً وتستقيم عليه- بقدر طاقتها- وتجعله وظيفة حياتها وغاية آمالها؛ وتجهد لتحقيقه في قلوب الآخرين وفي حياتهم العملية كذلك؛ وتجاهد لهذه الغاية بحيث لا تستبقي جهداً ولا طاقة.. تجاهد الضعف البشري والهوى البشري والجهل البشري في أنفسها وأنفس الآخرين. وتجاهد الذين يدفعهم الضعف والهوى والجهل للوقوف في وجه هذا المنهج.. وتبلغ- بعد ذلك كله- من تحقيق هذا المنهج الإلهي إلى الحد والمستوى الذي تطيقه فطرة البشر. على أن تبدأ بالبشر من النقطة التي هم فيها فعلاً؛ ولا تغفل واقعهم ومقتضيات هذا الواقع في سير مراحل هذا المنهج وتتابعها.. ثم تنتصر هذه المجموعة على نفسها وعلى نفوس الناس معها تارة؛ وتنهزم في المعركة مع نفسها أو مع نفوس الناس تارة. بقدر ما تبذل من الجهد؛ وبقدر ما تتخذ من الأساليب العملية؛ وبقدر ما توفق في اختيار هذه الأساليب.. وقبل كل شيء وقبل كل جهد وقبل كل وسيلة.. هنالك عنصر آخر: هو مدى تجرد هذه المجموعة لهذا الغرض. ومدى تمثيلها لحقيقة هذا المنهج في ذات نفسها؛ ومدى ارتباطها بالله صاحب هذا المنهج وثقتها به وتوكلها عليه.